اهلا بكل الاحبه

اخبارك عندنا هنا من كل مكان

السبت، ٢١ أغسطس ٢٠١٠

مصطفى محمود : الصوم انتصار الإنسان.. والإعلام يفسد رمضان

شبكة الاعلام العربية – سميرة سليمان
ماذا تفعل لو زارك ضيف متدين فى بيتك؟ ربما لا تكون أنت متدينا بالمعنى المتعارف عليه فى مجتمعنا، إلا أن ذلك لن يثنيك عن إكرام الضيف ومحاولة عدم جرح مشاعره أو معتقداته.

الغير معقول هو موقف أحد أصدقائي الغير متدينين حين زاره شيخ متدين فى بيته، فما إن دخل ذلك الشيخ بيت صديقي حتى قام صديقي وقال للشيخ : "سأثبت لك أنى احتفل بقدومك وزيارتك الطاهرة فقط أعطني دقيقة"، دخل عليه صديقي وفى يده زجاجة من الخمر ويحمل على كتفه سماعات ضخمة تخرج منها موسيقى صاخبة لفرقة من فرق عبدة الشيطان، ووقف صديقي فى منتصف الغرفة يرقص احتفالا بزيارة الشيخ ثم مال على الشيخ قائلا : "هلّت" أنوارك...تشرب بيرة ولا ويسكي يا شيخ إن شاء الله؟!

الشيخ هو شهر رمضان وصديقي الغير متدين هو الإعلام العربي الذي نحسن به الظن معتبرين أنه أراد أن يحتفل بقدوم شهر رمضان المبارك "بغشامة" فوضعنا جميعا فى موقف لا نحسد عليه.

هكذا يرى الدكتور الراحل مصطفى محمود في إحدى مقالاته أن الإعلام العربي يفسد رمضان ولا يحترمه، ونتوقف مع كتابه "الإسلام ما هو؟" الذي يشرح فيه مفهومه للصيام.

الدين ما هو؟

يقول صاحب "العلم والإيمان" في كتابه بوضوح أن الدين ليس حرفة ولا يصلح لأن يكون ذلك، ولا توجد في الإسلام وظيفة رجل دين، ومجموعة الشعائر والمناسك التي يؤديها المسلم يمكن أن تؤدى في روتينية مكررة فاترة خالية من الشعور، فلا تكون من الدين في شئ.

فالدين كما يعرفه مصطفى محمود في كتابه هو حالة قلبية وإحساس باطني بالغيب، وإدراك مبهم، لكن مع إبهامه شديد الوضوح بأن هناك قوة خفية حكيمة مهيمنة عُليا تدبر كل شئ, إحساس تام قاهر بأن هناك ذاتا عليا، وأن المملكة لها ملك، وأنه لا مهرب لظالم ولا إفلات لمجرم، وأنك حر مسئول لم تولد عبثا ولا تحيا سدى وأن موتك ليس نهايتك، وإنما سيعبر بك إلى حيث لا تعلم، إلى غيب من حيث جئت من غيب، والوجود مستمر.

وهذا الإحساس يورث الرهبة والتقوى والورع ويدفع إلى مراجعة النفس ويحفز صاحبه لأن يبدع من حياته شيئا ذا قيمة ويصوغ من نفسه وجودا أرقى متحسبا لليوم الذي يلاقي فيه ذلك الملك العظيم، مالك الملك.

فالإحساس بالمسئولية والشعور بالحكمة والنظام والجدية في كل شئ هو حقيقة الدين وتأتي العبادات والطاعات بعد ذلك شواهد على هذه الحالة القلبية التي هي الأصل وهي عين الدين وجوهره.

فالقلب كما يقول محمود هو عمدة الدين، ما الذي يشغله؟، وبم تتعلق الهمة، وما الحب الغالب على المشاعر؟، ولأي شئ الأفضلية القصوى؟، وماذا يختار القلب في اللحظة الحاسمة؟، وإلى أي كفة يميل الهوى؟ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لصحابته عن أبي بكر، إنه لا يفضلكم بصوم أو بصلاة ولكن بشئ وقر في قلبه.

هل تصوم رمضان؟

الصيام هو من الشعائر القديمة المشتركة في جميع الأديان، وهواة الجدل دائما يسألون - بحسب كتاب مصطفى محمود - كيف يخلق الله لنا فما وأسنانا وبلعوماً ومعدة لنأكل ثم يقول لنا صوموا، كيف يخلق لنا الجمال والشهوة ثم يقول لنا غضوا أبصاركم وتعففوا، هل هذا معقول؟.

وأنا أقول لهم – يتابع محمود - بل هو المعقول الوحيد فالله يعطيك الحصان لتركبه لا ليركبك، لتقوده وتخضعه لا ليقودك هو ويخضعك، وجسمك هو حصانك المخلوق لك لتركبه وتحكمه وتقوده وتلجمه وتستخدمه لغرضك، ومن هنا كان التحكم في الشهوة وقيادة الهوى ولجام المعدة هي علامة الإنسان، أنت إنسان فقط في اللحظة التي تقاوم فيها ما تحب وتتحمل ما تكره، أما إذا كان كل همك هو الانقياد لجوعك وشهواتك فأنت حيوان تحركك حزمة برسيم وتردعك عصا، وما لهذا خلقنا الله.

ويورد محمود نص حديث الله القدسي: "يا بن آدم خلقتك لي وخلقت الأشياء لك فلا تشتغل بما هو لك عما أنت له"، مضيفا: ولهذا سخر الله لنا الطبيعة بقوانينها وثرواتها وكنوزها وجعلها بفطرتها تطاوعنا وتخدمنا، والعبادة لا تكون إلا عن معرفة، فالحياة رحلة تعرّف على الله وما الصيام إلا التمرين الأول الأول في هذه الرحلة، إنه التدريب على ركوب الفرس وترويضه وتطويعه بتحمل الجوع والمشقة وهو درس الانضباط والأدب والطاعة.

وينتقد الدكتور مصطفى محمود المظاهر التي تحول عليها هذا الشهر الكريم الذي هو في الأصل شهر للطاعات قائلا: هذه المعاني الراقية ليس منها ما نعرف في صيام اليوم من فوازير ونكات وهزليات وصوان ومسرات وسهرات، وإنما الصائم يفرغ نفسه للذكر وليس التليفزيون، ويخلو للصلاة وقيام الليل وتلاوة القرآن وتدبر معانيه، وقد كان رمضان دائما شهر حروب وغزوات واستشهاد في سبيل الله، كانت غزوة بدر في رمضان، كما كانت حرب التتار في رمضان، وحرب الصليبيين في رمضان، وحرب إسرائيل في رمضان.

ذلك هو الصيام الرفيع ليس تبطلا ولا نوما بطول النهار وسهرا أمام التليفزيون بطول الليل وليس قياما متكاسلا في الصباح إلى العمل، وليس نرفزة وضيق صدر وتوترا مع الناس، فالله غني عن مثل هذا الصيام، وهو يرده على صاحبه ولا يقبله فلا ينال منه إلا الجوع والعطش.
وإنما الصيام هو ركوب لدابة الجسد لتكدح إلى الله بالعمل الصالح والقول الحسن والعبادة الحقة، واسأل نفسك عن حظك من كل هذا في رمضان وستعلم إلى أي حد أنت تباشر شعيرة الصيام.

كلمة التوحيد

يؤكد الراحل د. مصطفى محمود بكتابه أن أكثر الذين عبدوا الله وزعموا أنهم يعبدونه جعلوا له شركاء، أكثرهم فعلوا هذا من حيث يدرون أو من حيث لا يدرون، أخناتون الذي بلغ القمة في التوحيد عاد فجعل من نفسه ابنا لهذا الإله، وفي فارس تصوره الذين عبدوه إلهين اثنين "هرمز واهرمن" أحدهما إلها للخير والآخر للشر، وفي الهند تصوروه ثالوثا ومن تحت الثالوث عددا كثر من صغار الأرباب وصلت إلى ثلاثمائة وثلاثين مليونا من الآلهة بعدد ما ظنوا من حيوانات ودواب ومخلوقات تحل فيها أرواح تلك الالهة.

وهكذا حدث في اليونان، ومع اليهود، وجاء عيسى بالتوحيد فاختلف من بعده الأتباع وجعلوا من المسيح ابنا لله وجعلوا الحقيقة الالهية الواحدة ثالوثا.

ثم جاء الإسلام بختام الكلمة في التوحيد فالله أحد صمد لا صاحبة له ولا ولد، ليس له ند ولا ضد ولا مثيل ولا شبيه ولا يتحيز في مكان، ولا يتزمن بزمان، ولا يتحدد في كم، ولا يتمثل في مقدار ولا يتقيد بإطار، ولا تحيط به صورة ولا يتجسد في جسد وهو ليس من هذا العالم، بل هو فوقه ومتعال عليه فهو في الإطلاق وهذا العالم في القيد، وفي كلمة بسيطة بليغة الله أحد ليس كمثله شئ.

واعتقد المسلمون بهذا التوحيد بواقع الشهادة التي يقررونها خمس مرات كل يوم وفي كل أذان لا إله إلا الله، وأن الله أكبر من كل شئ مطلقا، ولكن الكثرة الغالبة منهم عادت فوقعت في ألوان جديدة من الشرك الخفي، وبات أكثر توحيد المسلمين باللسان بان الله اكبر، على حين كان سلوك هذه الكثرة ومشاعرها يقول إن الدنيا اكبر وتحصيل المال أكبر وحيازة القصور والضياع أكبر، والفوز برضا المرأة أكبر والتقرب للسلطة أكبر وهوى النفس أكبر.

فالظاهر في الدنيا كما يؤكد دكتور مصطفى محمود يخدع من يراه كأن يبدو أن لبعض الناس ملكا، وكأن يبدو أن الطبيب يشفي وأن السلطان يرزق، وأن السم يميت وأن الرصاصة تقتل، وأن هذا ينفع وأن ذاك يضر، وأن هناك جبارين غير الله يحكمون، ونسينا ما وصف الله به نفسه في القرآن الكريم في سورة الحديد بأنه هو "الأول والآخر والظاهر والباطن"، فإذا كان الطبيب يشفي، والسلطان يرزق، والسم يميت، والرصاصة تقتل، فإن الله هو هو الظاهر في كل هذه المظاهر وهو الفعل الخالص فيها، وما يجري على جميع الأيدي هو الوجه المنظور للمشيئة في تلك اللحظة سبحانه كل يوم هو في شأن وتلك شئونه.

فإذا أنت لم تعبأ بهذه الكثرة وشعرت بنفسك تتعامل طول الوقت وجها لوجه مع الله فلم تر شافيا لك غيره برغم تعاطيك الدواء، وإذا نسيت نفسك ولم تر غيره فأنت المسلم الموحد على وجه التحقيق.

ونرى دعاء أبي الحين الشاذلي في هذه الحالة من الوجد: رب خذني إليك مني، وارزقني الفناء عني، ولا تجعلني مفتونا بنفسي، محجوبا بحسي.